إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
الكنز الثمين
95357 مشاهدة
أحوال الصوفي

ثم قال الكاتب:
[ومن قال كذلك صارت أحواله كلها بالله، ولله، أمرنا باتباعه].
جوابه:
أن يقال: كيف تكون أحوال الصوفي كلها بالله ولله؟! مع أنه بشر يخطئ، ويصيب، ويرتكب الذنوب، وهو محل النقص، والتقصير في أداء حقوق ربه، وفي شكر نعمته: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا . وقد اتفق أهل السنة، والجماعة على أن أفضل هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- ومع ذلك فقد علمه النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقول في صلاته: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت.. إلخ.
فإذا كان صدِّيق الأمة -رضي الله عنه- يعترف بأنه ظلم نفسه ظلما كثيرا، فكيف يكون المتصوف معصوما وأحواله كلها بالله ولله؟! ونحن لا ننكر أن الله تعالى قد يوفق بعض أحبابه لتكون حركاته بالله، كما في الحديث القدسي عند البخاري عن أبي هريرة وفيه: فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به فإن معنى ذلك تسديده في أقواله، وأفعاله، ولكنّا لا نستطيع الجزم لشخص بعينه بأن أحواله كلها بالله ولله، كما ذكر هذا الكاتب.
فأما قوله: [أمرنا باتباعه]
فغير صحيح؛ فإن أغلب الصوفية -سيما المتأخرين- لهم شطحات خاطئة لا يجوز شرعا اتباعهم فيها، فقد ظهر بُعْدُهم فيها عن الصواب، ولهم أيضا طرق، وأحوال مبتدعة: كالسماع، والرقص، والخلوة الطويلة، والبعد عن العلم، والعلماء، والاستغناء عن الوحي بالأوهام، وحديث النفس الذي يخيل أنه وحي إلهام، فكيف يسوغ اتباعهم في هذه البدع ونحوها؟ وبأي نص أمرنا بذلك؟ مع العلم بأن الاتباع إنما يجب للرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه المبلغ عن الله، وقد ورد الأمر بذلك، كما في قوله تعالى: وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ . وقال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ . وأن يطاع، ويُتَّبع المخلوق، متى وافق أمر الله ورسوله، فيكون اتباعه خاصا بما بلغه مما تحمله عن الله ورسوله، فالطواعية، والاتباع في الحقيقة لله ورسوله، فمتى خالف المخلوق -مهما كانت مرتبته- صريح الكتاب والسنة، وجب طرح قوله والرجوع إلى شرع الله، كما في قوله تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ .